فصل: ومن باب النهي عن الجدال في القرآن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب النهي عن الجدال في القرآن:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن عمرو، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المراء في القرآن كفر».
قال الشيخ: اختلف الناس في تأويله فقال بعضهم معنى المراء هنا الشك فيه كقوله: {فلا تك في مرية منه} [هود: 17] أي في شك، ويقال بل المراء هو الجدال المشكك فيه.
وتأوله بعضهم على المراء في قرآنه دون تأويله ومعانيه مثل أن يقول قائل هذا قرآن قد أنزله الله تبارك وتعالى، ويقول الآخر لم ينزل الله هكذا فيكفر به من أنكره، وقد أنزل سبحانه كتابه على سبعة أحرف كلها شاف كاف فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن إنكار القراءة التي يسمع بعضهم بعضًا يقرؤها وتوعدهم بالكفر عليها لينتهوا عن المراء فيه والتكذيب به إذ كان القرآن منزلًا على سبعة أحرف وكلها قرآن منزل يجوز قراءته ويجب علينا الإيمان به.
وقال بعضهم إنما جاء هذا في الجدال بالقرآن في الآي التي فيها ذكر القدر والوعيد وما كان في معناهما على مذهب أهل الكلام والجدل وعلى معنى ما يجري من الخوض بينهم فيها دون ما كان منها في الأحكام وأبواب التحليل والتحريم والحظر والإباحة فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنازعوها فيما بينهم وتحاجوا بها عند اختلافهم في الأحكام ولم يتحرجوا عن التناظر بها وفيها. وقد قال سبحانه: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59] فعلم أن النهي منصرف إلى غير هذا الوجه والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا أبو عمرو بن كثير بن دينار عن حَريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عوف عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألاّ أني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطة معاهد إلاّ أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراه».
قال الشيخ: قوله: «أوتيت الكتاب ومثله معه» يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو، ويحتمل أن يكون معناه أنه أوتي الكتاب وحيًا يتلى، وأوتي من البيان أي أذن له أن يبين ما في الكتاب ويعم ويخص وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن.
وقوله: «يوشك شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن» فإنه يحذر بذلك مخالفة السنن التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس له في القرآن ذكر على ما ذهبت إليه الخوارج والروافض فإنهم تعلقوا بظاهر القرآن وتركوا السنن التي قد ضُمنت بيان الكتاب فتحيروا وضلوا، والأريكة السرير، ويقال أنه لا يسمى أريكة حتى يكون في حجلة وإنما أراد بهذه الصفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلم ولم يغدوا ولم يروحوا في طلبه في مظانه واقتباسه من أهله.
وأما قوله: «لا تحل لقطة معاهد إلاّ أن يستغني عنها صاحبها» فمعناه إلاّ أن يتركها صاحبها لمن أخذها استغناء عنها وهذا كقوله سبحانه: {فكفروا وتولوا واستغنى الله} [التغابن: 6] معناه والله أعلم تركهم الله استغناء عنهم وهو الغني الحميد.
وقوله: «فله أن يعقبهم بمثل قراه» معناه له أن يأخذ من مالهم قدر قراه عوضًا وعقبى مما حرموه من القرى. وهذا في المضطر الذي لا يجد طعامًا ويخاف على نفسه التلف، وقد ثبت ذلك في كتاب الزكاة أو في غيره من هذا الكتاب.
وفى الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجه بنفسه، وأما ما رواه بعضهم أنه قال إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه وإن خالفه فدعوه فإنه حديث باطل لا أصل له. وقد حكى زكريا بن يحيى الساجي عن يحيى بن معين أنه قال هذا حديث وضعته الزنادقة.
قلت: وقد روى هذا من حديث الشاميين عن يزيد بن ربيعة، عَن أبي الأشعث عن ثوبان ويزيد بن ربيعة هذا مجهول ولا يعرف له سماع من أبي الأشعث، وأبو الأشعث لا يروي عن ثوبان وإنما يروي، عَن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن الصبَّاح البزاز حدثنا إبراهيم بن سعد عن سعد بن إبراهيم عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد».
قال الشيخ: في هذا بيان أن كل شيء نهى عنه صلى الله عليه وسلم من عقد نكاح وبيع وغيرهما من العقود فإنه منقوض مردود لأن قوله: «فهو رد» يوجب ظاهره إفساده وإبطاله إلاّ أن يقوم الدليل على أن المراد به غير الظاهر فيترك الكلام عليه لقيام الدليل فيه والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج حدثنا سليمان، يَعني ابن عتيق عن طلق بن حبيب عن الأحنف بن قيس عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا هلك المتنطعون ثلاث مرات».
قال الشيخ: المتنطع المتعمق في الشيء المتكلف البحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم.
وفيه دليل على أن الحكم بظاهر الكلام وأنه لا يترك الظاهر إلى غيره ما كان له مساغ وأمكن فيه استعمال.

.ومن باب لزوم السنة:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ثور بن يزيد حدثني خالد بن معدان حدثني عبد الرحمن بن عمرو السُّلمي وحُجْر بن حُجْر قالا: «أتينا العرباض بن سارية فسلمنا فقلنا أتينا زائرين وعائدين ومقتبسين فقال العرباض صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرَفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل يا رسول الله كأن هذا موعظة مودع فماذا تعهد إلينا فقال أوصيكم بالسمع والطاعة وإن عبدًا حبشيًا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعَضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة».
قال الشيخ: قوله: «وإن عبدًا حبشيًا» يريد به طاعة من ولاه الإمام عليكم وإن كان عبدًا حبشيًا، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الأئمة من قريش» وقد يضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يصح منه الوجود كقوله صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله مسجدًا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة»، وقدر مفحص قطاة لا يكون مسجدا لشخص آدمي وكقوله: «لو سرقت فاطمة لقطعتها» وهي رضوان الله عليها وسلامه لا يتوهم عليها السرقة، وقال: «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده» ونظائر هذا في الكلام كثير، والنواجذ آخر الأضراس واحدها ناجذ، وإنما أراد بذلك الجد في لزوم السنة فعل من أمسك الشيء بين أضراسه وعض عليه منعًا له أن ينتزع وذلك أشد ما يكون من التمسك بالشيء إذ كان ما يمسكه بمقاديم فمه أقرب تناولًا وأسهل انتزاعًا، وقد يكون معناه أيضًا الأمر بالصبر على ما يصيبه من المضض في ذات الله كما يفعله المتألم بالوجع يصيبه.
وقوله: «كل محدثة بدعة» فإن هذا خاص في بعض الأمور دون بعض وكل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه. وأما ما كان منها مبنيًا على قواعد الأصول ومردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة والله أعلم.
وفي قوله: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» دليل على أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولًا، وخالفه فيه غيره من الصحابة كان المصير إلى قول الخليفة أولى.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سأل عن أمر لم يحرَّم فحُرِّم على الناس من أجل مسألته».
قال الشيخ: هذا في مسألة من يسأل عبثًا وتكلفًا فيما لا حاجة به إليه دون من سأل سؤال حاجة وضرورة كمسألة بني إسرائيل في شأن البقرة وذلك أن الله سبحانه أمرهم أن يذبحوا بقرة فلو استعرضوا البقر فذبحوا منها بقرة لأجزأتهم. كذلك قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير الآية فما زالوا يسألون ويتعنتون حتى غلظت عليهم وأمروا بذبح البقرة على النعت الذي ذكره الله في كتابه فعظمت عليهم المؤنة ولحقتهم المشقة في طلبها حتى وجدوها فاشتروها بالمال الفادح فذبحوها وما كادوا يفعلون.
وأما من كان سؤاله استبانة لحكم واجب واستفادة لعلم قد خفي عليه فإنه لا يدخل في هذا الوعيد وقد قال سبحانه: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: 7].
وقد يحتج بهذا الحديث من يذهب من أهل الظاهر إلى أن أصل الأشياء قبل ورود الشرع بها على الإباحة حتى يقوم دليل على الحظر وإنما وجه الحديث وتأويله ما ذكرناه والله أعلم.

.ومن باب التفضيل:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أسود بن عامر حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: «كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدًا ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم، ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم».
قال الشيخ: وجه ذلك والله أعلم أنه أراد به الشيوخ وذوي الأسنان منهم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر شاورهم فيه، وكان علي رضوان الله عليه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث السن ولم يرد ابن عمر الإزراء بعلي كرم الله وجهه ولا تأخيره ودفعه على الفضيلة بعد عثمان وفضله مشهور لا ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة، وإنما اختلفوا في تقديم عثمان عليه فذهب الجمهور من السلف إلى تقديم عثمان عليه وذهب أكثر أهل الكوفة إلى تقديمه على عثمان رضي الله عنهما.
وحدثني محمد بن هاشم حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة عن عبد الصمد قال: قلت لسفيان الثوري ما قولك في التفضيل، فقال أهل السنة من أهل الكوفة يقولون أبو بكر وعمر وعلي وعثمان، وأهل السنة من أهل البصرة يقولون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. قلت فما تقول أنت قال أنا رجل كوفي. قلت وقد ثبت عن سفيان أنه قال آخر قوليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
قلت: وللمتأخرين في هذا مذاهب، منهم من قال بتقديم أبي بكر من جهة الصحابة وبتقديم علي من جهة القرابة، وقال قوم لا يقدم بعضهم على بعض، وكان بعض مشايخنا يقول أبو بكر خير وعلي أفضل، وقال وباب الخيرية غير باب الفضيلة، قال وهذا كما تقول إن الحر الهاشمي أفضل من العبد الرومي والحبشي وقد يكون العبد الحبشي خيرًا من هاشمي في معنى الطاعة لله والمنفعة للناس، فباب الخيرية متعد وباب الفضيلة لازم.
وقد ثبت عن علي كرم الله وجهه أنه قال خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر، فقال له ابنه محمد بن الحنفية، ثم أنت يا أبه فكان يقول ما أبوك إلاّ رجل من المسلمين رضوان الله عليهم.

.ومن باب ما قيل في الخلفاء:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله هو ابن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان أبو هريرة رضي الله عنه يحدث «أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أرى الليلة ظلة ينطِف منها السمن والعسل فأرى الناس يتكففون بأيديهم فالمستكثر والمستقل. وأرى سببًا واصلًا من السماء إلى الأرض فأراك يا رسول الله فأخذته، يَعني فعلوت به، ثم أخذ به رجل فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل فعلا به، فقال أبو بكر رضي الله عنه بأبي وأمي لتدعني فلأعبرنها، قال فقال اعبرها؛ فقال أما الظلة فظلة الإسلام؛ وأما ما ينطف من السمن والعسل فهو القرآن لينه وحلاوته، وأما المستكثر والمستقل فهو المستكثر من القرآن والمستقل منه؛ وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله ثم يأخذ به بعدك رجل فيعلو به، ثم يأخذه رجل آخر فيعلو، ثم يأخذ به رجل فينقطع ثم يوصل به فيعلو أي رسول الله لتحدثني أصبت أم أخطأت؛ فقال أصبت بعضًا وأخطأت بعضا فقال أقسمت يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقسم».
قال الشيخ: قوله: «إني أرى الليلة» أخبرني أبو عمر، عَن أبي العباس قال: يقول ما بينك من لدن الصباح وبين الظهر رأيت الليلة وبعد الظهر إلى الليل رأيت البارحة، والظلة كل ما أظلك من فوقك وعلاك، وأراد بالظلة هاهنا والله أعلم سحابة ينطف منها السمن والعسل أي يقطر والنطف القطر، وقوله: «يتكففون بأيديهم» يريد أنهم يتلقونه بأكفهم، يقال تكفف الرجل الشيء واستكفه إذا مد كفه وتناوله بها، والسبب الحبل والواصل معناه الموصول فاعل بمعنى مفعول وفي قوله لأبي بكر رضي الله عنه «لا تقسم» ولم يخبره عن مسألته دليل على أن قول القائل أقسمت ليس بيمين حتى يقول أقسمت بالله أو أقسم بالله فيصل القسم باسم الله ولو كان ذلك بمجرده يمينًا لكان يبره فيها لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر بإبرار المقسم فدل ذلك على أنه مع التجريد ليس بيمين.
وقد اختلف الناس في معنى قوله: «أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا» فقال بعضهم أراد به الإصابة في عبارة بعض الرؤيا والخطأ في بعضها. وقال آخرون بل أراد بالخطأ هاهنا تقديمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسألته للإذن له في تعبير الرؤيا ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون هو الذي يعبرها فهذا موضع الخطأ، وأما الإصابة فهي ما تأوله في عبارة الرؤيا وخروج الأمر في ذلك على وفاق ما قاله وعبره.
وقد بلغني، عَن أبي جعفر الطحاوي رواية عن بعض السلف أنه قال موضع الخطأ في عبارة أبي بكر رضي الله عنه أنه مخطئ أحد المذكورين من السمن والعسل فقال، وأما ما ينطف من السمن والعسل فهو القرآن لينه وحلاوته، وإنما أحدهما القرآن والآخر السنة والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قص عليه رؤيا فاستاء لها».
قال الشيخ: قوله استاء لها أي كرهها حتى تبينت المساءة في وجهه ووزنه افتعل من السوء.
قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون حدثنا محمد بن جرير عن الزبيدي عن ابن شهاب عن عمرو بن أبان بن عثمان عن جابر بن عبد الله أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تنوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم».
قال الشيخ: قوله: «نيط» معناه علق، والنوط التعليق، والتنوط التعلق، ومنه المثل: عاط لغير أنواط.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة عن أشعث بن عبد الرحمن عن أبيه عن سمرة بن جندب أن رجلًا قال: «يا رسول الله إني رأيت كأن دلوًا دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعَرَاقيها فشرب شربًا ضعيفًا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منه شيء».
قال الشيخ: قوله دلي من السماء يريد أرسل، يقال أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر ودلوتها إذا نزعتها والعراقي أعواد يخالف بينها ثم تشد في عرى الدلو ويعلق بها الحبل واحدتها عرقوة.
وقوله: «تضلع» يريد الاستيفاء في الشرب حتى روي فتمدد جنبه وضلوعه، وانتشاط الدلو اضطرابها حتى ينتضح ماؤها.
وأما قوله في أبي بكر «شرب شربًا ضعيفا» فإنما هو إشارة إلى قصر مدة أيام ولايته وذلك لأنه لم يعش بعد أيام الخلافة أكثر من سنتين وشيء وبقي عمر عشر سنين وشيئًا فذلك معنى تضلعه والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء عن ابن إدريس حدثنا حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم المازني قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال لما قدم فلان الكوفة أقام خطيبًا فأخذ بيدي سعيد بن زيد فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم فأشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم أيثم. قال ابن إدريس والعرب تقول آثم، قلت ومن التسعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حراء: «اثبت حراء إنه ليس عليك إلاّ نبي أو صديق أو شهيد»، قلت: ومن التسعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، قلت من العاشر، قال: فاتكأ هنية ثم قال: أنا.
قال الشيخ: قوله لم أيثم هو لغة لبعض العرب يقولون أيثم مكان أثم، وله نظائر في كلامهم قالوا تيجع وتيجل مكان يوجع ويوجل، وحراء جبل بمكة وأصحاب الحديث يقصرونه وأكثرهم يفتحون الحاء ويكسرون الراء سمعت أبا عمر يقول حراء اسم على ثلاثة أحرف، وأصحاب الحديث يغلطون منه في ثلاثة مواضع يفتحون الحاء وهي مكسورة ويكسرون الراء وهي مفتوحة ويقصرون الألف وهي ممدودة وأنشد:
وراقٍ في حراء ونازل

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر أبو عمر الضرير حدثنا حماد بن سلمة أن سعيد بن إياس الجريري أخبرهم عن عبد الله بن شقيق العُقيلي عن الأقرع مؤذن عمر رضي الله عنه قال بعثني عمر إلى الأسقُف فدعوته، فقال له عمر هل تجدني في الكتاب قال نعم، قال كيف تجدني، قال أجدك قَرْنًا فرفع الدرة فقال قرن قال مه، قال قرن حديد أمين شديد، قال كيف تجد الذي يجيء بعدي قال أجده خليفة صالحًا غير أنه يؤثر قرابته، فقال عمر رضي الله عنه يرحم الله عثمان ثلاثًا، قال كيف تجد الذي بعده، قال أجده صداء حديد، قال فوضع عمر يده على رأسه، فقال يا دفراه يا دفراه، فقال يا أمير المؤمنين أنه قال خليفة صالح ولكنه يُستخلف حين يُستخلف والسيف مسلول والدم مُهراق.
قال الشيخ: الصدأ ما يعلو الحديد من الدرن ويركبه من الوسخ، وقوله يا دفراه يا دفراه، فإن الدفر بفتح الدال غير المعجمة وسكون الفاء النتن، ومنه قيل للدنيا أم دفر، فأما الذفر بالذال المعجمة وفتح الفاء فإنه يقال لكل ريح ذكية شديدة من طيب أو نتن.